جميلٌ أن نسمع أن هناك بقايا من إنسانية القطاع الخاص تتجه نحو تنمية المجتمع ورفعته. غير أن ما يشوب هذا اللون من الأحاديث من ضبابية تكتنفها يجعلنا نرهف السمع مرتين لعلنا نستبين الفرق. فعندما تتحدث الشركات ومؤسسات القطاع الخاص عن المسؤولية الاجتماعية لا تكشف عن نهجها واضحاً وصريحاً مما يضع هذه الأقوال في أحسن الأحوال في خانة النوايا الحسنة للمؤسسات تجاه المجتمع . المسؤولية الاجتماعية كعنصر أساسي من عناصر الارتقاء بالنهضة الاقتصادية في الدولة المعينة ،عرفها المختصون في هذا المجال بأنها عبارة عن خدمة إنسانية تهدف إلى تحسين حياة المجتمع من خلال تناول مشكلات معينة في بيئة معينة وإيجاد حلول عملية لها. ولا تخرج البحوث العلمية في هذا المجال عن التركيز على الهدف الأساسي الذي يتمثل في تنمية الموارد البشرية، وتوفير بيئة عمل ملائمة، واحترام حقوق الإنسان، والارتقاء بمستوى المعيشة، وحماية البيئة، والمساهمة في ترسيخ الهوية الوطنية، والمحافظة على خصوصية المجتمع ومساعدته على مواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية.وهنا جدير بالاعتبار النظر إلى أن دور المؤسسات لا يلغي دور الحكومة في تنمية المجتمع، وإنما يعززه ويتكامل معه.
المنطق المقلوب واستغلال مبدأ المسؤولية الاجتماعية هو ما جعل إحدى الشركات العاملة في مجال النفط تلتزم تجاه وزارة الطاقة بمبلغ (300) ألف دولار عبر لجنة الخدمات وتسميها مسؤولية اجتماعية . وتقدم نفس الشركة (80) مليون دولاراً للوزارة بدلاً عن اثنين مليون دولار كانت مقررة عليها. وتشارك في ورشة عمل إقليمية بعنوان (المسؤولية الاجتماعية للشركات :جوانب مضيئة). ونفس المنطق هو ما جعل الإعلام يهلل لغرس (15) ألف شجرة مات نصفها الآن، ومساهمات متفرقة للشركة في شبكات المياه لم تحدد مناطقها . فهل قيمة الأشجار مع التقدير والامتنان ما هي إلا فتات إحسان إذا ما قورنت بال300 ثم ال 80 مليون دولار المصروفة باسم المجتمع لغيره.
الشركة لم تحقق مبدأ المسؤولية الاجتماعية لأنها خلطت بين معنى المفهوم وبين التزاماتها لوزارة الطاقة واسهاماتها لمصالحها الخاصة للجنة الخدمات بالوزارة . والوزارة ليست هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تنمية المجتمع ،وإنما المسؤول هو وزارة الشؤون الاجتماعية . وإذا أرادت شركة أو مؤسسة ما القيام بأي عمل من أجل المجتمع فيتم بالتنسيق مباشرة مع الوزارة نظراً لاتصالها المباشر المفترض مع المجتمع.
من كل هذا يتضح أنه ليس في الأمر مسؤولية اجتماعية ولا حتى غير اجتماعية وإنما هي دعاية للشركة بثمن الشجيرات.والدعاية على حساب الفقراء في بلادي لا تحتاج إلى كبير جهد وإنما كافٍ جداً الوقوف الوهمي معهم. أن تغرس الشركة شجرة بيدها اليمنى بينما تدفع باليسرى ملايين الدولارات لخدمة مصالحها مع الوزارة وكل هذا يتم باسم المجتمع وتنميته.
لا يعدو ما فعلته الشركة النفطية غير عمل قصدت منه تلميع صورتها أمام المجتمع بهدف ربحي بحت مستغلة شيوع المصطلح في الآونة الأخيرة وبريقه. الشركة المعنية تكرر ما فعلته شركات أخرى أقل مقاماً ومقالاً حيث وزعت موادها الدعائية والتسويقية على مستفيدين من البرامج التي حصلت على الدعم ، وصرفت مبالغ ضخمة تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية بينما ذلك لم يكن سوى حملة تسويقية لمنتجاتها.
في هذا البلد يزداد السأم بسبب الفاقة مرة وبسبب عدم احترام العقول ألف مرة .ويزداد استياء المجتمع لأنه واعٍ للفرق بين الشركات التي تلتزم بمسؤولياتها تجاهه بدوافع أخلاقية, وتلك التي تهدف إلى الربح المادي مما يجعل المفهوم يتصادم بشكل سافر مع المفهوم الأصلي للمسؤولية الاجتماعية ويتنافى بشكل صريح مع أخلاقياتها .أما سأمي الآن فهو بسبب أن إعلامنا لا يزال يحمل لواء الأكاذيب ويمررها من فوقنا ونحن كأنما على رؤوسنا الطير.(منى عبد الفتاح)
كل الحقوق مح